بعد أن كان الشغل الشاغل للمسيحيين تأمين لقمة عيشهم، باتوا اليوم يحملون هموماً أخرى على أكتافهم منها الوجودية المسيحية بمعناها الواسع ومدى تأثيرها على المحيط المتعدد الأطياف والمتشعب الإنتماءات...
إنهم هكذا تبعاً لديانتهم السمحاء المرتكزة الى المحبة والتسامح والمساحمة سبعين مرة سبع مرات، إنهم اليوم يعملون في ميادينهم ضمن مجموعة من الطوائف المتعددة، طبعاً لا فرق لديهم لا يكنّون الضغائن لأحد. فتراهم يتوجهون الى كنائسهم للصلاة وليس للقتل هم لم يرفعوا أيديهم ولا سلاحهم في وجه أحد...
لكنهم باتوا اليوم مُلاحقين أينما تواجدوا! يفرّون بأرواحهم دون ذنب سوى أنهم من الطائفة المسيحية، يتلقون الضربة تلو الأخرى، تُنسف كنائسهم وتُدنس وتُهان، تُنسف كنائسهم وأماكن صلاتهم وليس مخازن أسلحتهم فهم لا يملكون سوى سلاح المحبة للآخر والمسامحة وعدم الردّ، لكن اليوم وجب الردّ فلن نحول خدنا الأيمن ولا الأيسر، لن نسامح سبعين مرة سبع مرّات، لن نسكت إذاً بعد اليوم!.
في هذا السياق سوف أتطرق الى أمور عدة باتت من المعيب جداً عدم الإضاءة عليها. هناك تقصير فاضح من كل الانظمة قبل الثورات العربية وحتى بعدها تجاه المسيحيين. فلا احد دون استثناء، ينظر إليهم كمتساوين مع سائر الفئات، وهذه العقلية يجب ان تتغير اليوم قبل الغد فلم يعد هناك من وقت كي ننتظر أكثر، لقد مللنا.
علينا ان نبدأ بكتابة حاضرنا كي نبقى ونستمر، وإلا سوف نزول وهذا حلم كثيرين من روّاد الفتن علينا أن نصنع مستقبلنا ونقول ماذا نريد، فاذا كان هناك من يريد لنا الهجرة والتهجير قسراً مثلاً، فلماذا الحديث عن الحضور المسيحي في المشرق؟ علينا ان نعرف ان الارض لمن عليها وليست لمن تحتها، واذا خسرنا الارض خسرنا كل شيء، ففي التهجير نذوب كلّنا.
التحدّي
لقد بات المسيحيون بعد كل الانتهاكات اللاحقة بحقّهم هدفًا بشكل موجّه ومركّز، إن تكرار التسامح وعدم الحراك باتت أمراً خطيراً، ولذلك يجب على الإرادة السياسية أن تتجه نحو سياسات صارمة ضد التحريض على أبناء شعبها الواحد، إلى جانب احترام الكيانات المختلفة والعمل على درء الانتهاكات المروّعة لحقوق الانسان بشكل عام، والتي استهدفت مواطنين أبرياء في المنطقة.
فلم يعدْ من المجدي قول القيادات الاسلامية في المنطقة العربية، إن "داعش لا تمثلنا" ... إنما عليها اقران القول بالفعل، والا فإن المشكلة ستستمر. ويبقى التحرّك الاسلامي في هذا الاطار خجولا.
المسيحيون ركن هذا الشرق
أضف الى ذلك، تعامل الغرب مع قضية مسيحيي الشرق بخبث، دون أن يعاني من ازمة عقل وضمير وقيم وقيادة. فنراه يتواطأ ويغضّ الطرف عن ابادة المسيحيين وغيرهم من الاثنيات ويفتح ابوابه للهجرة، في عملية ممنهجة ومبرمجة. فالمسيحيون الّذين انطلقت رسالتهم من هذا الشرق الى جميع أنحاء العالم هم ركنٌ أساس وجزء لا يتجزّأ ولا ينفصل عن هذه الأرض.
صحيح أن التاريخ المسيحي مجبول بالمآسي، إلاّ أنّه مدعوّ إلى تذكّر العلامات المضيئة في تاريخه. للمحافظة على الجغرافيا والأرض والتي هي شرط ضروري لعدم خسارة التاريخ.
وفي الخلاصة، نفتخر ونفاخِر بأن المسيحيِّين لعبوا دوراً مهمًّا في النهضة العربيّة وفي نشأة الدول الحديثة وفي التحرُّر من هيمنة الدول المتعاقبة عل احتلاله.
وليس على المسيحي أن يكون مجرد ميزان حرارة " ترموميتر"، بل عليه أن يكون مثبت الحرارة " ترموستا" ومنظمها.
* رئيس هيئة التضامن السرياني الديمقراطي
نائب رئيس الهيئة الشبابية الاسلامية-المسيحية للحوار